العليمي في الأمم المتحدة.. تثبيت الشرعية وكسب الدعم الدولي
شكّلت مشاركة فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في الدورة الثمانين ل...
في لحظة وطنية فارقة، وقف فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مخاطبًا الشعب اليمني عشية الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، بخطاب تاريخي تجاوز حدود المناسبة، ليشكل خارطة طريق جديدة للمستقبل، ويعيد الاعتبار لجوهر الثورة وقيمها التحررية في مواجهة مشاريع الانقلاب والإرهاب والوصاية الإيرانية.
لم يكن الخطاب مجرّد كلمات احتفالية عابرة، بل وثيقة وطنية جامعة حملت رؤية متكاملة لاستعادة الدولة، وأكدت أن الجمهورية لا تُصان إلا بالشراكة الوطنية، والعدالة، والإرادة الشعبية الواعية التي ترفض الخضوع وتؤمن بالحرية والسيادة والمواطنة المتساوية.
معركة الخلاص الوطني
استعاد فخامة الرئيس رمزية ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر بوصفهما توأم التحرر اليمني ووحدة المصير، مؤكدًا أن معركة الخلاص الوطني الراهنة ليست إلا امتدادًا لذلك النضال التاريخي العظيم.. فكما واجه اليمنيون الاستعمار والاستبداد بالأمس، فإنهم اليوم يقاومون الوصاية الإيرانية ومليشياتها الحوثية بذات الروح الثورية التي لا تعرف الانكسار، وبذات العزيمة التي آمنت بأن اليمن لا يمكن أن يكون تابعًا أو خاضعًا لأي وصاية.
وبهذا الربط البليغ بين الماضي والحاضر، وضع الرئيس العليمي الشعب أمام مسؤولية مواصلة الثورة، لا بالسلاح وحده، بل بوعيٍ متجدد، وإصرارٍ على استعادة الدولة وبناء وطنٍ تسوده الكرامة والسيادة والعدالة.
طريق النصر وبناء الدولة
في محور آخر من خطابه، أكد الرئيس العليمي أن الشراكة الوطنية ليست تكتيكًا سياسيًا عابرًا، بل خيارًا استراتيجيًا وركيزة أساسية في بناء الدولة الحديثة وتحقيق النصر في معركة الخلاص الوطني، وأوضح فخامته أن الشرعية لا تقوم على الإقصاء والمحاصصة، بل على العدالة والمواطنة المتساوية، وعلى الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن، مشددًا على أن وحدة الصف الوطني وتغليب المصلحة العليا للوطن هما السبيل الوحيد لعبور اليمن إلى بر الأمان.
لقد كانت دعوته بمثابة نداء صادق إلى جميع القوى الوطنية لتجاوز الخلافات الضيقة وتوحيد الجهود تحت مظلة الدولة، بما يكرّس نموذجًا جديدًا للحكم يرتكز على الشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
الحل السياسي العادل
للمرة الأولى منذ سنوات، تناول الخطاب الرئاسي القضية الجنوبية بوضوح وشجاعة وواقعية، مؤكدًا أنها ليست قضية هامشية، بل جوهرية في أي تسوية سياسية عادلة، وأن معالجتها بعدالة وإنصاف هو المدخل الحقيقي لبناء دولة اتحادية مستقرة ومستدامة، استدعاء فخامته لتجربة الجنوب بعد الاستقلال لم يكن تكرارًا للماضي، بل استحضارًا لقيم التمدن والتنوير وبناء الدولة المدنية التي أسهم الجنوب في ترسيخها.
بهذا الطرح المتزن، يفتح الخطاب الباب أمام مصالحة تاريخية شاملة، تؤسس لوحدة جديدة قائمة على العدالة والمواطنة والمشاركة الحقيقية في السلطة والثروة.
الاقتصاد واستعادة الثقة
في جانبٍ آخر، أشار الرئيس العليمي إلى مؤشرات التحسن الاقتصادي الملموس، من استقرار نسبي في سعر العملة وصرف المرتبات، والبدء في جدولة المتأخرات بما يشمل مستحقات الدبلوماسيين والطلاب في الخارج، مؤكدًا أن هذه الإجراءات ليست مجرد تفاصيل مالية، بل رسائل سياسية لإعادة الثقة بمؤسسات الدولة.
كما ثمّن فخامته المواقف الأخوية الصادقة للأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مشيدًا بدعمهما السخي وثبات مواقفهما في دعم الشرعية والشعب اليمني، مؤكداً أن التحالف العربي لم يحمِ الدولة اليمنية فحسب، بل صان أمن المنطقة واستقرارها من المشاريع الإيرانية العابثة.
البعد القومي والدولي
اتسم خطاب الرئيس العليمي برؤية قومية شاملة، إذ ربط بين نضال الشعب اليمني وصمود الشعب الفلسطيني، مباركًا اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومشيدًا بدور المملكة العربية السعودية ومصر وقطر والدول العربية كافة في الوصول إلى هذا الإنجاز التاريخي.
بهذا الخطاب، أعاد فخامته اليمن إلى مكانته الطبيعية في محيطه العربي والإقليمي، مؤكدًا أن اليمن كان وسيبقى جزءًا من الأمة العربية، متفاعلاً مع قضاياها ومدافعًا عن أمنها واستقرارها.
مواجهة خطاب المليشيا
بصراحة ووضوح نادرين، وضع الرئيس العليمي حدًّا للبس، مؤكدًا أن الصراع في جوهره ليس سياسيًا بقدر ما هو صراع بين مشروع الدولة المدنية الحديثة ومشروع الولاية الكهنوتي الطائفي، مشدداً على أن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بتفكيك البنية الفكرية للمليشيا وتجريم فكرة “الولاية الإمامية” في الدستور والقانون، معتبرًا ذلك شرطًا أساسيًا لأي تسوية عادلة تضمن بقاء اليمن جمهوريًا حرًا.
بهذه اللغة الصريحة، قدّم الرئيس خطاب الدولة، دولة النظام والقانون والمؤسسات، في مواجهة خطاب الفوضى والعنصرية والارتهان الخارجي، ليجسد صوت الجمهورية في زمن تتنازع فيه الأصوات والمشاريع.
الخطاب ودلالاته الرمزية
امتاز الخطاب بلغة متينة ومفعمة بالصدق والوجدان، جمعت بين الحزم والإنسانية، وبين الوطنية العميقة والبعد الشعبي القريب من الناس، كان نداء الرئيس بمثابة استدعاء لروح الثورة والوحدة والإيمان بالمصير المشترك، ليجدد الثقة بين القيادة والشعب، ويؤكد أن الشرعية الحقيقية تُستمد من الجماهير لا من البنادق.
نحو الجمهورية الثانية
لم يكن خطاب فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي مجرد تذكير بماضٍ مجيد، بل إعلانًا صريحًا لبدء مرحلة جديدة من بناء الجمهورية الثانية، القائمة على قيم العدالة والمواطنة والشراكة الوطنية.. لقد قدّم خطابًا وطنيًا شاملًا يعيد تعريف الثورة بمعناها العصري، ويربط بين التاريخ والمستقبل في معركة واحدة عنوانها: استعادة الدولة وترسيخ السلام العادل والمستدام.
إنها دعوة صادقة لكل القوى الوطنية أن تلتف حول مشروع الدولة، وتؤمن بأن اليمن لا يُقاد إلا بإرادة أبنائه، وأن الثورة الحقيقية اليوم هي ثورة الوعي والوحدة والإصرار على الحياة والكرامة والسيادة.