الخطر في القلعة وليس خارجها

نتابع ما يجري من عدوان إسرائيلي على إيران واستهداف القيادات العسكرية والسياسية وعلماء الذرة والمنشآت النووية وغير ذلك من المنشآت الاقتصادية والمطارات، وهو ذاته ما فعلته إسرائيل ضد المقاومة في لبنان عندما استهدفت بالاغتيال قادتها ومن لهم علاقة بتطوير أسلحتها لكي تظل وحدها صاحبة اليد الطولى المالكة للأسلحة المتطورة والنووية والعلماء والمعارف وإمكانيات التنمية، بينما نقبع نحن في غابة من التخلف والتبعية والضعف. وكل ما جرى ويجري هو امتداد لحرب الإبادة والتجويع في غزة والضفة الغربية، والعدوان على لبنان وقياداته وبنيته التحتية، وعلى سوريا وتدمير مؤسساتها العسكرية الجوية والبرية والبحرية، واحتلال أجزاء من أراضيها، وأيضًا على اليمن وتدمير منشآته ومطاراته وموانئه.

إن النصر العسكري الذي يتحدث عنه نتنياهو في هذه الجبهات وآخرها إيران ما هو إلا نصر مؤقت، لان النصر الحقيقي هو الاحتكام إلى لغة الحوار لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، لأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة والعالم، وفي هذا الصدد فإننا نراهن على يقظة أمتنا وأنظمتنا في إدراك الخطر الوجودي الصهيوني على حاضرنا ومستقبلنا. وقطعًا لن تتمتع دولة الاحتلال بثمار أي انتصار مؤقت لأن موازين القوى في تحول دائم، والشعوب الحية، المقاومة، لا تقبل الضيم والانكسار، ولن يمر ما يرتكبه الاحتلال من جرائم دون حساب وعقاب، اليوم أو غدًا.

والمهم في هذا الصدد أن يدرك العرب أن مصالحهم تقتضي التمييز بين خلافاتهم مع إيران وبين خطر إسرائيل عليهم.

ونحن نناشد الدول الأعضاء في مجلس الأمن والأمم المتحدة بوضع حدٍّ لهذه الحروب على الدول والشعوب في منطقتنا الاستراتيجية التي تحولت إلى ساحة للصراع والحروب من قبل إسرائيل وحلفائها. هذا الصراع الذي لن تتوقف أضراره وأخطاره على شعوبنا، بل ستطال شعوب العالم قاطبة، لأن السلام الذي لا يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس لا مستقبل له.

لعل عدوانها على إيران قد يوقظها لتدرك أن فاتورة العدوان باهظة، وربما أن الضربات التي ألحقتها إيران بها دفاعًا عن سيادتها وشعبها وعن القضية الفلسطينية سيجعلها تدرك أن ثمن الحرب باهظ إنسانيًا، وتنمويًا، واقتصاديًا.
وقد تبعنا تصريحات  نتنياهو التي يطالب فيها بتغيير نظام في إيران، فمحاولات تغيير النظام أو إبقائه تبقى حقًا ثابتًا للشعب الإيراني وحده دون غيره، وأن مثل هذه التصريحات لن تزيد الشعب الإيراني إلا تماسكًا ضد هذه الدعوات الصهيونية.
ونتنياهو يعلم ذلك، لكنه يتعمد تصدير أزماته وحروبه إلى خارج إسرائيل، هربًا من المواجهة مع الشعب الإسرائيلي الذي يتظاهر يوميًا، ويطالب بوقف الحرب على غزة وتبادل الأسرى، بل ويطالب بإقالته وإقالة حكومته اليمينية المتطرفة، لأنه أصبح غير مقبول داخل إسرائيل وخارجها، وهو مطلوب للملاحقة من قبل المحكمة الجنائية الدولية والدول الأعضاء فيها.

مع الأسف، ما شجعه على الاستمرار هو سلسلة الاختراقات التي نجح فيها جهاز الموساد، من اختراق المقاومة في لبنان، واختراق الأجهزة الأمنية في سوريا، والوصول إلى أرشيف الوثائق الخاصة بالجاسوس إيلي كوهين، في إطار سعيه للحصول على رفاته، الذي احتفظت به الأنظمة والأجهزة الأمنية السورية المتعاقبة لأكثر من ستين عامًا، وكذلك الاختراقات في العراق وإيران وغيرها من البلدان، ولهذا نؤكد أن الخطر في  القلعة وليس خارجها ولهذا يجب تحصينها لمواجهة هذه الاختراقات الصهيونية.

إن العدوان الإسرائيلي على إيران لم يكن هدفه الحقيقي هو منعها من امتلاك السلاح النووي، بل كان استهدافًا مباشرًا لتغيير النظام الإيراني، على غرار ما حدث مع النظام العراقي الذي تم غزوه بذريعة امتلاك أسلحة الدمار الشامل ولم يكن ذلك صحيحًا، ويندرج ذلك ضمن سياسة ممنهجة تستهدف الأنظمة التي تعادي المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة، ومحاولة الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة كلها، وهو ما عبّر عنه نتنياهو بقدرته على تغيير خريطة الشرق الأوسط تنفيذًا لمخطط المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل بسويسرا بقيادة الصهيوني النمساوي هرتزل.
إن على دولنا العربية أن تدرك الخطورة الكبيرة عليها، وأن يكون موقفها من المقاومة الفلسطينية ومن إيران أكثر فهمًا وإيجابية قبل أن يقع الفأس في الرأس.

مقالات الكاتب

تهنئة بعيد الأضحى المبارك

يطيب لي أن أتقدم من أبناء شعبنا اليمني العظيم في كل مكان، وشعوب أمتنا العربية والإسلامية، بأصدق الته...