حادثة الكنيسة النجاشية واقتحام مسجد عمر بن الخطاب!

تابعت كغيري حادثة اقتحام مسجد عمر بن الخطاب في مدينة المنصورة، والحقيقة أنني آثرت أن لا أخوض مبكرًا في تفاصيل هذا الفعل وأن أنتظر حتى تظهر نهاية منطقية وقانونية لهذه السقطة، وإلى الآن ما زلت أنتظر!

ما دفعني هنا للخوض قبل ظهور المبرر المنطقي والقانوني لتلك السقطة هو سيل رسائل الشكر الموجهة لأبطال هذا المشهد الهابط في مسرحية هذه الفعلة القبيحة، التي فوق أنها لم تحترم حقوق الإنسان، فقد تطاولت على بيت من بيوت الله، له حرمته وقدسيته وتعظيمه التي أمر بها الله من فوق سبع سموات!

لا أعلم من الذي يعبث بعقول البعض ممن جاءت بهم الصدفة أو حسابات التقاسمات الإقليمية القائمة على التبعية المخجلة أو المناطقية المتسلقة، وذلك إلى واجهة المشهد الضبابي والمتعثر والعاجز في اليمن سياسيًا ووظيفيًا، ويملي عليهم بأن حضور هيبة الدولة يأتي من بوابة أنكر الأصوات وقلة الأدب والبطش والإرهاب وعدم احترام القوانين والتعدي على حقوق الناس الدستورية والقانونية والإنسانية، مع أن التاريخ يعلمنا بأن تلك الوسائل قد تصنع كيانات تشبه الدولة في ظاهرها، ولكنها لا تصنع دولة بمضمونها، فهيبة وحضور الدولة يأتي من إقامة العدل وحماية حقوق الناس وتفعيل القوانين وتنفيذها، بالتحلي بالمسؤولية والأخلاق الرفيعة، والوجوه المسفرة والظاهرة للناس، وليس الوجوه المتوارية خلف البراقع واللثام!

أما قدسية بيوت الله التي أمر الله بتعظيمها بصفتها محلًا لركن من أركان الإسلام، فالمساس بها يحدد نوايا المتعدي عليها، ويقطع الطريق أمام عشاق رسائل الشكر لغير الله ومتزلفيها، سواء كان ذلك الشكر لقيادة ما يسمى بمجلس القيادة أو للمنتمين لتوابعه من الهيئات والوزارات، خصوصًا أن الأمة تعيش فصول معركة شرسة تمتد من غزة إلى اليمن إلى كل بقاع الأرض، للتصدي لمشروع تشويه الإسلام والعبث بمقاصد رسالته وكتابه وسنة رسوله!

وبالمناسبة، سأستعرض موقفًا قد يحمل رسالة هامة لنا جميعًا، وبالذات للمسارعين في تسجيل الحضور برسائل النفاق، ونترفع عن المتاجرة بقضايا أهلنا وحرمة مقدساتنا. حدث لنا شخصيًا وبعض الزملاء في العاصمة أديس أبابا أثناء تلبيتنا لدعوة عمل وجهت إلينا، يتلخص في زيارة خاصة استطلاعية قمنا بها للكنيسة التي استقبل فيها النجاشي وفد المهاجرين من مكة. فبمجرد دخولنا إلى باحة الكنيسة، قبل وصولنا إلى المبنى، تجمع حولنا العشرات من النساء والرجالٌ أوقفونا وكادوا يفتكون بنا وبعد خروجنا من محيط الكنيسة، وفي خضم دهشتنا مما حدث، وجهنا سؤالًا للسائق المرافق عن سبب العدوانية والحدة التي عاملونا بها. أجاب بأن ذلك حدث لأن أحدنا كان يرتدي ثوبًا أبيض (جلابية) يعتبرونه رمزًا للمسلم. وهنا تظهر غيرة المؤمن، حتى وإن كان ضالًا، وتظهر حالتنا في موت غيرتنا على عقيدتنا ومقدساتنا!

نكرر في الختام أن الشكر في غير محله يسيء للشاكر والمشكور، خصوصًا عندما يكون الشكر لغير الله. ونكرر ونؤكد أن الوطن يحتاج لمؤسسات دولة تلتزم بالدستور والقوانين، وتبدأ بمعالجة القضايا الحيوية التي تهم معيشة الناس وأمنها واستقرارها. كما نؤكد أن مراكز الشرطة تتحول إلى مواخير ومسالخ بشرية ومراكز حماية للفساد والمفسدين إذا لم تتحرك في إطار مؤسسي يحترم القوانين ويكف عن إرهاب الناس ومحاولات إخضاعهم.

وبعد الختام، نلفت أنظار المترنحين في مؤخرة دعوات الفصل بين الدين والدولة، ونذكرهم أن أعظم دولة إسلامية حكمت العالم وحررته من قيود العبودية لغير الله خرجت من المسجد!

        عبدالكريم سالم السعدي  
            28 يونيو 2025م

مقالات الكاتب