قصة البرنامج النووي الإيراني من البناء وحتى التدمير
عبود حربي
طفى للسطح وأثير مؤخرا وبقوة غير مسبوقة موضوع ملف البرنامج النووي الإيراني وذلك بعد رفع تقارير أممية...
ليس في الخرائط وحدها يُمحى المكان، بل في اللغة، والوعي، والتاريخ…
هناك أقاليم لا تُنسى لأنها جميلة، وأخرى تُنسى لأنها موجعة.
تهامة ليست طرفًا جغرافيًا في جسد( اليمن)، بل ندبةٌ قديمة في جبينه. منذ وُجدت كانت شاهدةً على صراع المركز والهامش، الدين والسياسة، القبيلة والدولة، البندقية والمعنى. لم تُهمَّش لأنها ضعيفة، بل هُمِّشت لأنها كانت قويةً بما يكفي لتُخشى.
في العصور التي تشبه الليل الطويل، حين كانت المآذن تهتف بالمذهب لا بالله، كانت تهامة تُرى من علو كأرض "خارجة"، لا لشيء إلا لأن صوتهاليس زيديا، وتربتها لم تخضع. فبدأ مشروع طويل لمحو الذاكرة… لا بجرافات، بل بإيديولوجيا.
أُطلقت عليها أسماء مثل "دار الكفر" لا لعداوة دينية، بل لحاجة سلطوية لتبرير السبي والجباية، وحين لبس القمع عمامة، صارت الزكاة أداة ابتزاز، والمدرسة منفى، والمحراب خندقًا لفرض السلالة.
من المتوكل على الله إلى يحيى حميد الدين، لم يكن القهر عملاً عشوائيًا، بل خطة: تجهيل يُراكم التبعية، وتفقير يُجمد الحركة، وتفكيك يُلغي الوعي الجمعي. تهامة كانت "تُعاقب" على موقعها، ومذهبها، وخصوبتها، بل حتى على صبرها.
وحين هُدمت الإمامة على يد من يشبهها، وُلدت الجمهورية على سرير مكسور. لم تكن الثورة صدمة تغيير، بل استنساخًا محسّنًا لذات المنظومة. الدولة الحديثة ورثت أدوات القهر، وصنعت بيروقراطية تحوّل الهوية إلى ملف إداري، والانتماء إلى شرط وظيفة. ظل التهامي جنديًا في جبهات الموت، وغريبًا عن جغرافيا القرار، يُستدعى عند الحرب، ويُنسى عند الحكم.
ثم جاء الحوثي، وبدل أن يعيد قراءة التاريخ، أعاد تكراره. ألبس الإمامة قناع الثورة، واحتل الذاكرة قبل الأرض. في خطابه، كانت تهامة "بيئة غير موالية"؛ تُطهر بالحديد، وتُربى بالخوف، وتُقطع عنها أنفاس السيادة. لم يكن ذلك جديدًا، بل استكمالًا لسلسلة طويلة من التهشيم المتقن.
وأشد من كل هذا، أن يُقسم المكان على طاولة بيروقراطية. تم تفتيت تهامة إداريًا، لا لتنظيمها، بل لتفريغها من روحها. صار التهامي بلا إقليم، وبلا صوت، وبلا تمثيل، كأن التاريخ يعاقبه على الصبر الطويل.
ولم يكن الطغيان الإمامي وحده من مارس هذا؛ حتى من لبس البدلة المدنية واستعار خطاب الجمهورية، أصرّ أن يتحدث باسم تهامة من خارجها، ويقرر عنها دونها. تم استغلال ساحلها، واحتلال قرارها، والتحدث باسمها بلسان مستورد وما تغيّر سوى الزيّ، أما الفكرة فهي ذاتها: أن تبقى تهامة حديقة خلفية لمشاريعهم.
لكن لا أحد يُطفئ جذوةً دفنتها الرمال. تهامة ليست جغرافيا مستكينة، بل سردية قاومت التحريف بالوجود، والتهميش بالصبر، والإقصاء بالحضور. فيها ما يكفي من الوعي والمرارة لأن تنهض، لا ككيان جغرافي، بل كصرخة لاتشبه صرخة نصفهم ولاشعارات النصف الاخرلانها صرخةللحياة وصوت من اهل الحق .
التاريخ لا يُكتب بالحبر وحده، بل بالندوب.
وتهامة… كانت دومًا الأصدق ندبةً في وجه هذه البلاد.
حين يصير الصبر لعنة، والصوت تهمة
ما تعرّضت له تهامة لم يكن مجرد إهمال، بل تصميم دؤوب على الكسر.
فالتهميش هو أن تُقصى عن المركز،
أما التهشيم… فهو أن يُعاد تشكيلك بلا ملامح،
أن تُكتب في التاريخ بيد غيرك،
أن تُروى باسمك حكايات لا تشبهك.
في تهامة، كان المكان يُعاقب لأنه لم ينكسر،
وكان الناس يُراد لهم أن يصمتوا لا لأنهم لا يملكون القول، بل لأن قولهم مُربك وفاضح للروايات المضلله.
كل نظام مرّ أرادها في الهامش، لا لأنها بلا قيمة،
بل لأنها إذا وقفت… اختلّ ميزان الزيف.
لا يُراد لتهامة أن تُنسى…
بل يُراد لها أن تتعود الغياب،
أن تصير ظلًا في مشهد لا ظل له.
لكن ما طُمِس بالحديد، يعود بالحنين.
وما أُرِيد له أن يُمحى من الجغرافيا،
ينقش نفسه في التاريخ كحقيقة مؤجلة.
تهامة لا تطلب ثأرًا… بل اعترافًا.
لا تطلب أن تُستعاد… بل أن تُرى.
وحين تُفتح أعين البلاد جيدًا،
سيُكتشف أن ما ظنوه هامشًا… كان هو الأصل.