انهيار الاقتصاد اليمني: أزمة العملة الوطنية والرواتب المفقودة
منذ فترة طويلة، يعاني الاقتصاد اليمني من أزمة خانقة انعكست بشكل كبير على حياة المواطنين، وخصوصًا الم...
بعد أشهر من التوقف القسري والإضراب الشامل الذي طال العملية التعليمية في محافظة تعز نتيجة الصعوبات الاقتصادية، عادت الحياة إلى المدارس وامتلأت الفصول الدراسية من جديد بالطلاب والطالبات الذين عادوا للبحث عن العلم والمعرفة. ومع هذا، ورغم العودة الميمونة للعملية التعليمية، ما زالت هناك تحديات كبرى، أهمها تجاهل حقوق المعلم اليمني، الذي أصبح يعاني من ظروف اقتصادية صعبة أثقلت كاهله.
على الرغم من مطالبات المعلمين المستمرة بزيادة رواتبهم وتحسين أوضاعهم المعيشية، فإن الحلول المقدمة حتى الآن لم تواكب حجم المعاناة التي يعيشها هذا القطاع الحيوي. وبالرغم من الحديث عن التسويات والعلاوات التي يُروج لها بين الحين والآخر، فإن هذه المكاسب تبدو غير كافية بالنظر إلى الواقع المعيشي الصعب، خاصة مع تزايد أسعار السلع بشكل جنوني، والهبوط الحاد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية.
المعلم اليمني، الذي كان وما زال أحد الركائز الأساسية لبناء أي مجتمع متطور، يعاني منذ عقود طويلة من تجاهل الحكومات المتعاقبة لحقوقه. فمنذ السبعينات من القرن الماضي، والمعلّم في اليمن يعيش في أسوأ الظروف مقارنة بنظرائه في الدول المجاورة. بل على العكس، تجد أن السياسات الحكومية كانت تتجاهل، بشكل متعمد، حقوق المعلم، ولم تكن هناك أي محاولات جادة لتحسين أوضاعه أو رفع مكانته.
ورغم كل ما يُقال عن "الدعم" و"الاهتمام" بالمعلم في وسائل الإعلام، فإن الواقع يختلف تمامًا. فالمعلم اليمني يعاني من قلة الإمكانيات، وتأخير الرواتب، وظروف العمل المزرية في الكثير من المدارس، في وقت تُخصص فيه موازنات ضخمة لمجاميع مسلحة أو قوات غير نظامية تسيطر على أجزاء من البلاد.
إذا كانت هناك إرادة حقيقية لبناء وطن، فلا بد من الاعتراف بدور المعلم في عملية البناء هذه. فالمعلم هو الذي يشرف على تنشئة الأجيال، وهو القادر على غرس قيم العلم والمعرفة، وهو الذي يبني قاعدة صلبة لأي تقدم حضاري في أي مجتمع. لكن إذا استمر تجاهل حقوقه، فإن المجتمع سيظل عاجزًا عن تحقيق النهضة المطلوبة.
الكل ينادي بتفعيل التعليم وتطويره، ولكن لا يمكن لهذا أن يحدث دون أن نضع في اعتبارنا أن المعلم هو العنصر الأساسي في هذه العملية. إذا كان المجلس الرئاسي والحكومة الشرعية جادين في الاهتمام بالبناء والتنمية، فعليهم أن يبدؤوا من حيث يجب أن يبدأوا: بتوفير حقوق المعلمين وتأمين حياة كريمة لهم. فإذا لم يُحترم المعلم ولم تُراعَ حقوقه، فإن التنمية ستظل مجرد كلمات فارغة لا أكثر.
إنّ تجاهل المعلم واستمرار تجاهل حقوقه يعني، ببساطة، تجاهل مستقبل الأجيال القادمة. لذا، من أجل بناء وطن مزدهر، يجب أن تكون السياسات تجاه المعلم واضحة، عادلة، ومنصفة. إذا كان من المهم تقديم الدعم المالي واللوجستي للمجموعات المسلحة، فمن الأجدر والأولى أن يُخصص هذا الدعم أيضًا لتحسين أوضاع المعلمين، الذين يواجهون تحديات أكبر في سبيل بناء مستقبل أفضل للوطن.
المعلم هو المربي، وهو البناء الأول للأمم، لذا فإن الاهتمام به هو خطوة حقيقية نحو بناء وطن مستقر وآمن. فالتعليم لا يزدهر إلا بتقدير المعلم وتوفير البيئة المناسبة له لكي يؤدي عمله بالشكل الذي يليق بكرامته.