شاهد بالصورة .. حادث مروري مروع بصنعاء الليلة
شهدت السائلة في العاصمة صنعاء الليلة حادثًا مروريًا مروعًا، ناتجًا عن السرعة الزائدة في خط شبه...
محمد الخامري
اليوم اول جمعة من رجب الحرام، وتصادف ذكرى حادثة تفجير دار الرئاسة في جمعة رجب، 3 يونيو 2011، سمعتُ من رجل أثق به ثقة لاتشوبها شائبة، طبيب، لاينتمي لتيار فكري وغير مشتغل بالسياسة أصلاً، شهادته التي حرص ان يقول في بدايتها انها شهادة لله، تقشعر لها الأبدان.
لم تكن روايته حكاية عابرة، بل شهادة شاهد عيان، عاش اللحظة، واستقبل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح رحمه الله في مستشفى العرضي، ورافقه الى المملكة العربية السعودية.
📌 قال صديقي الدكتور، وقد وعدني أن يسمح بذكر اسمه إذا تبدلت ظروفه ومكان إقامته: انه بعد التفجير، تم إسعاف الرئيس صالح والراحل عبدالعزيز عبدالغني وبعض المصابين الآخرين من مسجد الرئاسة، ونُقلوا على عجل باتجاه مستشفى 48 في السواد.. لم يكن الطريق آمناً، بل كان مسرح لكمين معد سلفا، في حال فشل الاغتيال في المسجد يتم انهائه في الطريق، حيث اعترضهم هجوم مسلح، اشتبك مع الموكب الذي كان عدة سيارات، وتضررت السيارة التي تقل الرئيس، فتم نقله إلى سيارة أخرى، وتغير مسار الموكب نحو مستشفى العرضي عبر السائلة، لكن المخططين للاغتيال لم يتركوا شيئ للصدفة، فقد كان هناك كمين ثالث تحسبا لنقله للعرضي..
اشتبك الموكب مرة أخرى في السائلة بعد جسر 45، مع كمين غادر نجوا منهم بأعجوبة..
📌 وصل الموكب إلى المستشفى، وكان صديقي قد وصل تقريبا في نفس اللحظات، لانه تم الاتصال به وطلب حضوره للمساهمة في استقبال وعلاج الرئيس وبقية المصابين..
دخل المستشفى ليجد صالح في حالة حرجة، ممدد على السرير والأطباء حوله يحاولون عمل الإسعافات الأولية، كان الدم يسيل من أذنيه جراء الانفجار، وهو فاقد للسمع تماما، لكنه كان بكامل قواه العقلية والذهنية من خلال نظراته وايماءاته.. كان حوله عدد من رجال دولته مذهولين من حجم الكارثة ودهشة النجاة..
📌 في تلك اللحظات التي لاتُنسى حسب كلامه، حضر عدد من المسؤولين، وكان من بينهم الشيخ سلطان البركاني، الذي أخبر صالح أن نجله أحمد يقصف الفرقة الأولى مدرع ومنازل آل الأحمر وبعض الأهداف الأخرى التي ذكرها البركاني آنذاك.
طلب صالح الهاتف، رغم انه كان لايسمع، لكنه كان يقول بصوته المتهالك ويحاول رفع صوته: يا أحمد، أنا بخير، تسمعني.. ثم سأل من حوله، هل قال يسمعني والا لا، فأجابوه أيوه، يسمعك..
فقال أوجّهك توجيه رسمي، أوقف القصف فورا، لاتقصف، وقِّف، لاتقصف وكان يكررها، لكن البركاني كان متأثر من شدة الموقف، ولم يكن مرتاح لذلك التوجيه، ولوّح برأسه كأنه معترض، ثم اخذ الهاتف وابتعد قليلا، وهنا صاح صالح، رغم جراحه وصممه، هاتوا التلفون.. هاتوا التلفون، وأعاد توجيهه لأحمد ياولدي أنا بخير، وعادنا رئيس الجمهورية، أوقف الضرب، وإلا أنت موقوف، اوقف الضرب، هذا توجيه رسمي.. ثم أعطى الهاتف لأحد مرافقيه وقال له (غلقه) كأنه يرفض أن تستمر المكالمة مع الآخرين الموجودين حوله.
📌 الراوي قال إن المرافقين كانوا يتحدثون بصوت عالي عن الكمينين، ويذكرون أسماء وهويات المشاركين فيهما، وبدوا مذهولين من أن صالح نجا من التفجير، ثم نجا من كمينين قاتلين..
هذه شهادة للتاريخ، أرويها سلسلة ذهبية عن رجل أعرفه كما أعرف نفسي، وكانت كلماته امتداد لروايات كثيرة سمعتها، طابقت بعضها البعض، لكنها عنده أكثر دقة وأشد وضوحا، تؤكد بما لايدع مجالا للشك ان علي عبدالله صالح لم يكن دموياً كما صوّره خصومه، ولم يُرِد أن يُغرق صنعاء بالدم، رغم أنه خرج منها غارقا بدمه.
في قمة ألمه، وأقصى لحظات ضعفه الجسدي، فكر فيما ستصل اليه الأمور ان واصل احمد القصف وتم الرد عليه في العاصمة.. رفض الانتقام، وأوقف القصف بنفسه.. رفض أن يُردّ على محاولة اغتياله بالمجازر، لم يكن كغيره من الحكام الذين امتلأت سجونهم النوعية بالقتلى والدماء، بل كان مختلف، كان رئيس حتى في ألمه، وقائد حتى في أضعف لحظاته، وإنسان حتى في أشد الجراح التي تعرض لها، رغم اخطائه التي لاتعد ولاتُحصى، وفساده العريض الذي حكم به لثلاثة عقود متتالية..
📌 ثمّة من يقول إن خطيئته الكبرى لم تكن فقط في الحكم، بل في تحالفه مع الحوثيين لاحقا، لكن حتى هذه، بحسب مارواه لي شاهد مقرب، كانت خيار اضطراري بعد أن سُدّت الأبواب في وجهه، ورفضت قيادة حزب الإصلاح مبادرته لإعادة التحالف معهم قبل سقوط عمران بمبرر انه ماكر ويريد العودة للسلطة على ظهورهم، وان الحوثيين لن يصلوا عمران، لان الرئيس هادي قال ان عمران خط أحمر.. سأكتب عن اللقاء وماتم فيه منشور منفصل..
📌 أخيراً أقول لأولئك الذين ينتقصون من قدر الرجل، ويحاولون تقزيمه وغمطه حقه، والطعن فيه وفي قدراته وإمكانياته رغم انهم كانوا حلفائه لغالبية فترته التي حكم بها؛ انه حتى الخصم، إن كان بطل، فاذكره بما هو أهله، ولاتَغْمِطْه حقه، ولاتُلبسه ثوب الضعف وهو في قلب القوة، فالاعتراف بصلابة من تواجه هو شهادة ضمنية بصلابة موقفك أنت، وإقرار بأن معركتك ليست عبث مع ظلٍّ باهت، بل صراع مع قوة حقيقية تمتحن فيك الصبر والحكمة والشجاعة.
إن المعارك العظيمة لاتُخاض إلا أمام خصوم عظام، والتاريخ لايذكر من أسقط الضعفاء، بل من واجه الكبار فانتصر أو حتى صمد مجرد صمود..
ومهما اختلفنا مع علي عبدالله صالح رحمه الله، فإن محوه من التاريخ وهم، وتقزيمه جهل، وإنكار مكانته في التاريخ اليمني يُعدّ مكابرة لا قراءة منطقية، فقد كان جزء أصيل من تشكيل الدولة اليمنية الحديثة، بل أحد أبرز صُنّاعها، وارتبط اسمه بوحدة اليمن كحدث مفصلي لايمكن شطبه بالخصومة، والتاريخ لايُكتب بالانتقام ولايُدار بعُقد الكراهية، ولا بمنطق الخصومة، بل يُقرأ كما هو؛ بمنطق الفهم والتوثيق؛ كاملا لا مجتزأ، بكل ماله وماعليه، ويُستذكر بعقل الدولة لا بانفعال اللحظة، وكما تفعل كل الأمم مع رؤسائها وملوكها السابقين، نتعامل معه كتاريخ وطني يُستذكر ويُناقش ويُقيَّم، لا كسيرة تُشوَّه، ولا كجثة سياسية يُنهشها الأحياء..
الصورة أثناء زيارته للدكتور العليمي في غرفته عندما كانوا جميعا يتعالجون في المستشفى جراء الحادث ..