من هو أول محافظ لأبين؟ قصة شهيد حرر الجنوب وأُعدم بصمت
يتساءل الكثير من أبناء الجيل الجديد: من كان أول محافظ لمحافظة أبين بعد الاستقلال؟والإجابةالشهيد جعبل...
في زمنٍ لم تعرف فيه قرى أبين المدارس ولا الكهرباء، ولا حتى مساجد تُقام فيها الصلاة جماعة، برز رجل من نور… حمل همَّ الدعوة في قلبه، ورسالة العلم على كتفه، ومصباح التنوير في يده. إنه الشيخ السيد سالم بن محمد الحبشي، أحد أعلام أبين الأجلّاء، ومناراتها الخالدة، الذي أسس لمعالم النهضة الدينية والتعليمية والاجتماعية في مناطق واسعة من مديرية مودية وقراها المجاورة.
المعلامة... بداية الشرارة
في أوائل خمسينات القرن الماضي، افتتح الشيخ الحبشي أول "معلامة" في منطقة نائية خالية من التعليم النظامي، لتكون تلك المعلامة بذرة الخير التي أينعت في قاع معسل، وجمعان، والقوز، ولفرعة، وفرعان، ومقاصر، وبعض قرى آل حسنة. لم تكن مدرسةً رسمية، بل كانت مركزًا تربويًا فطريًا ينبض بالإخلاص، خرج منها رجال صالحون، صار لهم شأن كبير في المجتمع والدولة.
رجال تخرّجوا على يديه
تتلمذ على يديه عدد من رجال الدولة، منهم اللواء محمد ناصر أحمد الزامكي وزير الدفاع الأسبق، ومنصور ناصر محمد، وصلاح ناصر محمد، وعبدالله سالم محنكي، وسليمان ناصر مسعود الزامكي، وغيرهم كثيرون، جميعهم يذكرون الشيخ الحبشي بكل إجلال، ويعودون إليه بالفضل في تنشئتهم الأولى.
وبعد ثمان سنوات من التعليم الفردي، تم افتتاح مدرسة القليتة عام 1958، وهي من أولى المدارس في المنطقة، بعد أن مهّد الشيخ الأرضية لذلك ورفع الوعي بأهمية التعليم.
مشاريع تنموية وخيرية
امتد دور الشيخ إلى مشروعات حيوية، أبرزها:
مشروع طعمه بير ذويه الذي افتتح عام 1966، بمشاركة رجال مخلصين مثل الحاج عبدالله حيدرة السيد، والحاج صالح حسين بن حسن، والشهيد أحمد مسعود دهيس.
مشروع مقيدح الذي امتد من القليتة إلى قاع لعسل والقوز، بإشراف الشهيد العم هادي ناصر محمد الحسني.
المسجد... بداية الروح
في الستينات، قاد الشيخ بناء أول مسجد في قرية ذويه، بالتعاون مع أهل الخير من عدن، بعد أن لم يكن هناك سوى مصلى بسيط. لم يكن المسجد مجرد بناء، بل مركزًا للدعوة، ومنبرًا للخير والرحمة.
الصحة والماء والكهرباء
أسهم الشيخ أيضًا في إنشاء الوحدة الصحية في القرية في أواخر السبعينات، وسُمّيت لاحقًا باسم الشهيد ناصر محمد صالح بن عبادي. كما كان له دور في إيصال الكهرباء والماء وشق الطريق إلى قرية ذويه، متحديًا وعورة الجغرافيا.
أسرة تواصل الرسالة
أنجب الشيخ خمسة أبناء وثلاث بنات، ساروا على خطاه:
الأستاذ علي سالم الحبشي، من كوادر التربية واللجان الشعبية.
الأستاذ مهدي سالم الحبشي، وكيل مدرسة القوز سابقًا.
العقيد ياسين سالم الحبشي، خريج كلية الشرطة 1996، من كوادر وزارة الداخلية.
الأستاذ حسين سالم الحبشي، مدير مدرسة القوز للبنات لعشر سنوات، وركيزة تعليمية في المنطقة.
رفاق درب ونماذج مضيئة
من الرجال الصالحين الذين عاصروا الشيخ وساهموا في مسيرته:
الشيخ المرحوم الحاج ناصر محمد بن سليمان، والد الرئيس علي ناصر محمد.
الشيخ حسين أحمد درامة، من العلماء والدعاة الذين كان للشيخ الحبشي صلة بهم، وشاركهم في بعض المهام الدعوية.
السيد عبدالرحمن الجفري، القاضي ومفتي القليتة آنذاك، وصهر الشيخ، وكان له دور كبير في دعمه.
السيد محسن بن محمد الحبشي، الأخ الأكبر للشيخ سالم، وكان علامة في وادي عبدان – العوالق، وتلقى تعليمه في رباط تريم على يد كبار العلماء مثل السيد عبدالله بن عمر الشاطري، والشهيد أحمد بن صالح الحداد.
الدعوة بلا حدود... وأربطة العلم
لم يقتصر نشاط الشيخ في قريته، بل كان يتنقل في مناطق أبين مثل الحعدنة، خمر، مارم، آل فطحان، والوضيع، ناشرًا الخير والرحمة والاعتدال، محبوبًا بين الناس والمشايخ والعقال.
وفي عام 1997، افتتح أول رباط لتعليم العلوم الشرعية في مسجد الحاج ناصر محمد بن سليمان بمودية، وأشرف بنفسه على دوراته الصيفية، ليكمل رسالته التي لم تتوقف.
صلة بالعلماء الكبار
ارتبط بعلماء حضرموت الكبار مثل:
السيد محمد عبدالله الهدار مفتي البيضاء.
الحبيب العلامة السيد علي بن أبي بكر المشهور، والد الداعية المعروف أبوبكر العدني بن علي المشهور.
وقد زاروه في الحسني والوضيع في الستينات، ما يدل على مكانته العلمية والدعوية.
---
ختامًا…
إن الحديث عن الشيخ السيد سالم بن محمد الحبشي ليس مجرد سيرة، بل تأريخ لجيلٍ من الرواد الذين أناروا دروب الجهل، وثبّتوا أركان الدين، وبنوا بعرقهم ووعيهم ما ننعم به اليوم من تعليم وصحة ودعوة.
رحل الشيخ بجسده، لكنه باقٍ في ذاكرة أهله وتلاميذه، في كل مسجد بناه، في كل طالب علّمه، في كل بئر شرب منها الناس، وفي كل قلب عرف نور الدعوة بفضله.
رحمك الله يا شيخنا الفاضل… وجعل ما قدمت في ميزان حسناتك.
رمزي الفضلي