الرئيس العليمي: العدالة مسار دولة لا شعار عاطفة

في مشهد يعبّر عن عمق المسؤولية ورصانة القيادة، التقى فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بلجنة المصالحة والسلم المجتمعي في محافظة تعز، مؤكدًا أن العدالة في قضية الشهيدة أفتهان المشهري وسائر القضايا العادلة في المحافظة، ماضية بثباتٍ في مسارٍ مؤسسيٍّ شاملٍ لا مجال فيه للتسييس أو الاستثمار الفئوي، بل كمنهج دولة تُعيد تعريف العدالة بوصفها قيمة مستدامة ونهجًا وطنيًا ثابتًا، لا مجرد رد فعلٍ ظرفي.

لقد حمل موقف الرئيس في طيّاته رسالة قاطعة بأن دم الشهيدة أمانة، وأن طريق الإنصاف سيُستكمل حتى يتحقق الحق كاملاً غير منقوص، وبهذا الموقف الواضح، نقل فخامته العدالة من دائرة الانفعال الشعبي إلى فضاء الدولة، وجعل من القانون المرجعية الوحيدة التي تُحتكم إليها النفوس قبل المؤسسات، معلنًا أن الدولة لن تُفرّط بدماء أبنائها تحت أي ظرف، وأن العدل هو عنوان الشرعية وأساس استعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم.

ومن خلال هذا اللقاء، قدّم الرئيس تطمينًا وطنيًا عميقًا لأسر الضحايا ولأبناء تعز كافة، مؤكدًا أن العدالة ماضية في طريقها بثقة، وأن الدولة لن تترك مظلمة دون إنصاف، كما وجّه لجنة المصالحة والسلم المجتمعي إلى مواصلة الاستماع إلى أسر الضحايا، والتنسيق الوثيق مع السلطات القضائية والأمنية، في إطار رؤية شاملة تجمع بين العدالة القانونية والعدالة المجتمعية التي تُرمم الثقة وتعيد اللحمة الوطنية.

أراد الرئيس العليمي أن يقول بوضوح إن العدالة لن تكون شعارًا سياسيًا أو عاطفيًا، بل التزامًا عمليًا تترجمه مؤسسات الدولة وتراقبه القيادة العليا، لتصبح المصالحة منهجًا للتعافي الوطني لا مجرد إجراء رمزي.. فالمصالحة الحقيقية لا تقوم على التسويات المؤقتة، بل على الاعتراف، والإنصاف، والإصلاح.

تميّز اللقاء بخطاب رئاسيٍ هادئٍ وعميقٍ وواثق، بعيد عن ضجيج المزايدات والانفعالات.. تحدث فخامته بلغة الدولة الراسخة، التي لا تُدار بالعاطفة بل بالحكمة والمسؤولية، شدد على أن الاختبار الحقيقي ليس في التصريحات ولا في الصور، بل في إنصاف الناس وإنفاذ القانون.. بهذه اللغة المتزنة، أعاد الرئيس هيبة الدولة كمرجعيةٍ وحَكمٍ، لا كطرفٍ في نزاع أو ساحة صراع.

وفي جملةٍ تختصر الرؤية، قال الرئيس العليمي: "تعز ليست قضية أمن فقط، بل مشروع دولة"، بهذه العبارة المضيئة، نقل النقاش من همّ الأمن إلى أفق البناء، ومن معالجة الأعراض إلى تأسيس مشروع وطني متكامل.. إنها رسالة عميقة بأن تعز يجب أن تُقدَّم كنموذجٍ للانضباط والمبادرة والإنتاج، لا كمساحةٍ للفوضى أو ساحةٍ لتصفية الحسابات السياسية.

وأكد فخامته أن العدالة لا تكتمل إلا بالمصالحة الاجتماعية التي تُرمم النسيج الوطني، وتعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وتحوّل الجراح إلى طاقة بنّاءة.. فالدولة لا تُنصف فقط بمعاقبة الجناة، بل ببناء الثقة، وترسيخ المساواة، وتحويل الألم إلى فرصة لإصلاح المجتمع وترميم العلاقة بين الناس والدولة.

ويُدرك المتابع أن اللقاء مثّل تحولًا جوهريًا في لغة الدولة، من خطاب الأزمة إلى خطاب المشروع، ومن ردّ الفعل إلى العمل المؤسسي المنظم.. الرئيس لم يتحدث عن قضيةٍ واحدة، بل عن منظومة عدالة وطنية، ولم ينظر إلى تعز كملفٍ أمنيٍّ، بل كقلبٍ استراتيجي في مشروع الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة.

لقد قدّم فخامة الرئيس صورة القائد الذي يمسك بميزان الدولة بثبات وعدل في زمنٍ ازدادت فيه المزايدات، فأعاد للدولة هيبتها، وللعدالة معناها، ولتعز مكانتها كحاضرةٍ مدنيةٍ ورمزٍ وطنيٍّ في معركة بناء الدولة واستعادة الثقة بمؤسساتها، إن الرسالة الأعمق التي خرج بها هذا اللقاء، أن العدالة ليست ورقة ضغط، بل التزام وطني ثابت، وأن تعز ليست جرحًا مفتوحًا، بل مشروع نهوض وطني شامل، يعيد لليمنيين ثقتهم بدولتهم ومستقبلهم، ويجعل من العدل والمواطنة عنوانًا للمرحلة القادمة.

مقالات الكاتب