اليمن لن تتحرر بهذه العقلية
اليمن اليوم يقف على مفترق طرق تاريخي. بين الماضي الممزق، والحاضر المهدد، والمستقبل الذي ينتظر من يمل...
يمثل لقاء فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي بسفير الولايات المتحدة الأمريكية محطة فارقة في مسار العلاقة بين الشرعية اليمنية والمجتمع الدولي.. فالخطاب السياسي للرئيس العليمي تجاوز البعد التقليدي للتعاون الأمني ليؤسس لرؤية أكثر شمولًا تربط بين الأمن الداخلي، الاستقرار الإقليمي، والشرعية الدولية.
البعد الأمني
مكافحة الإرهاب في اليمن لم تعد قضية محلية، بل شأن دولي مرتبط بأمن الممرات البحرية واستقرار المنطقة.. تركيز الرئيس على دعم سلطات إنفاذ القانون وتجفيف مصادر تمويل المليشيات يعكس إدراكًا بأن القوة العسكرية وحدها لا تكفي، وأن المواجهة تحتاج إلى منظومة متكاملة تشمل الأدوات الأمنية والمالية والقانونية.
البعد الإقليمي والدولي
تؤكد المقاربة الأمنية الإقليمية أن أي أزمة داخلية سرعان ما تمتد إلى المحيط. تهديد الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، واستهداف دول الجوار بالصواريخ والطائرات المسيّرة، يوضح أن الأزمة اليمنية جزء من منظومة الأمن البحري والتجاري العالمية. خطاب الرئيس يعيد التأكيد على أن استقرار اليمن شرط ضروري لاستقرار الإقليم بأكمله.
الإصلاحات الاقتصادية كأداة للأمن
الإشارة إلى استقرار سعر العملة الوطنية وحرمان الحوثيين من الوصول إلى النظام المصرفي يعزز قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية، ويضعف قدرة المليشيات على تمويل أنشطتها العسكرية. هذا الربط بين الأمن الاقتصادي والسياسي يظهر أن استقرار الدولة لا يمكن فصله عن تعزيز اقتصادها الوطني.
البعد الحقوقي والدبلوماسي
إدانة اعتقالات الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تمثل توظيفًا فعالًا للدبلوماسية الحقوقية. الشرعية تسعى من خلال ذلك إلى تعزيز العزلة الدولية للحوثيين، وتحويل انتهاكاتهم إلى ورقة ضغط سياسي وقانوني، مما يعزز موقف اليمن في المحافل الدولية.
الأمن البحري والممرات الاستراتيجية
تأكيد الرئيس العليمي على حماية الملاحة الدولية يضع اليمن في قلب الأمن العالمي. فباب المندب وخليج عدن يشكلان عقدة مواصلات دولية للتجارة والطاقة، ما يجعل الشراكة اليمنية – الأمريكية ركيزة أساسية لتوازن الأمن الإقليمي والدولي.
خطاب الرئيس العليمي يعكس مقاربة أمنية وسياسية متقدمة تشمل:
- مواجهة الإرهاب بآليات شاملة تتجاوز العمل العسكري.
- ربط الإصلاح الاقتصادي بالشرعية السياسية والأمنية.
- توظيف البعد الحقوقي كأداة ضغط دبلوماسية.
- تحويل الموقع الجيوسياسي لليمن إلى ورقة قوة في النظام الأمني الدولي.
. توصيات استراتيجية
1- تعزيز التنسيق الأمني الدولي بين اليمن والولايات المتحدة والتحالف الإقليمي لمواجهة الإرهاب والتهريب بفاعلية.
2- دعم بناء المؤسسات لتعزيز الرقابة والإشراف المالي والقضائي، وتقليص قدرة الجماعات المسلحة على ملء الفراغ.
3- تشديد مراقبة التهريب الإيراني وربط أي تفاوض مع طهران بالتزامات واضحة بوقف دعم الحوثيين.
4- الاستمرار في استخدام الدبلوماسية الحقوقية لتوسيع العزلة الدولية على الحوثيين عبر توثيق الانتهاكات.
5- ربط الإصلاحات الاقتصادية بالاستقرار الأمني والسياسي لتعزيز شرعية الدولة أمام المواطنين.
6- حماية الممرات البحرية والبنية التحتية الحيوية من أي تهديدات انتقامية.
7- تطوير آليات تواصل واستجابة حكومية لتوضيح نتائج الإصلاحات وتحقيق مكاسب ملموسة للمواطنين، بما يعزز قبول السياسات الدولية.
خاتمة استراتيجية
المقاربة التي اعتمدها الرئيس العليمي تجمع بين ردع أمني متكامل، خنق مالي ولوجستي، وحماية الحقوق والمصالح الدولية. قوتها تكمن في تكامل الأدوات وليس في الاعتماد على أداة واحدة فقط. نجاحها يقاس بقدرة الدولة على إغلاق ثغرات التمويل والتهريب، حماية الممرات الحيوية، وتحويل الاستقرار إلى مكاسب ملموسة للمواطن. في هذا السياق، الشراكة الدولية ليست مجرد دعم خارجي، بل رافعة سيادية تعيد إنتاج الدولة وتعزز قدرتها على الحكم وتحقيق الأمن الشامل.