نقاشات للمعركة البرية في اليمن

كريتر سكاي/

منذ قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شن غارات ضد جماعة الحوثيين، منتصف مارس/آذار 2025، تتعالى أصوات يمنية، وخصوصاً في صفوف الحكومة المعترف بها دولياً، مطالبة بضرورة استثمار الحملة الأميركية وتحريك المعركة البرية ضد الحوثيين انطلاقاً من أن إضعاف القدرات الجوية لجماعة الحوثيين قد يشكل "فرصة" لشن هجمات برية قد تؤدي ليس فقط إلى تراجعها على الأرض، وتحديداً في محافظة الحديدة التي تشكل منطقة استراتيجية لها وتنطلق منها هجماتها ضد السفن المرتبطة بإسرائيل وأميركا على وجه الخصوص، بل إمكانية أن تشكل المعركة البرية ضد الحوثيين ضربة قاضية للتمدد العسكري للجماعة.


ويبدو أن خيار المعركة البرية ضد الحوثيين الذي ظل مطلباً لبعض الراغبين بإنهاء فصول الأزمة اليمنية المستمرة منذ أكثر من عقد، بات يقترب من التحول إلى واقع فعلي. وما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية يوم الثلاثاء الماضي، نقلاً عن أشخاص مطلعين، على تخطيط بشأن شن الهجوم البري لجهة أن متعاقدين أمنيين أميركيين خاصين قدّموا مشورة للفصائل اليمنية حول عملية برية محتملة، يتقاطع مع معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من شخصيات سياسية في الشرعية اليمنية، مطلعة على نقاشات مكثفة تجرى منذ نحو أسبوعين حول العمل العسكري البري ومواقف الأطراف المختلفة من هذه الخطوة.


وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن خيار المعركة البرية ضد الحوثيين يفرض نفسه بقوة على طاولة البحث، بعد أكثر من شهر من بدء أميركا عملية عسكرية جوية وبحرية واسعة لاستهداف قدرات الحوثيين العسكرية. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن نقاشات مكثفة أجرتها الحكومة اليمنية خلال الأيام الأخيرة مع الأميركيين على المستويين السياسي والعسكري، إلى جانب قوى أخرى بينها بريطانيا، لتنفيذ عملية برية، بمشاركة جميع الأطراف المنخرطة ضمن الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وتم استدعاء كل هذه الأطراف للانخراط في المحادثات حول المعركة البرية ضد الحوثيين وإعداد خطة موحدة يشارك الجميع في تنفيذها.


ورغم تجنّب المصادر التطرق إلى أدوار محتملة لقوى إقليمية في هذا السياق، فإن المصادر تؤكد وجود توافق عام على الخطة بين الأطراف المعنية، إلا أن التنفيذ لا يزال معلّقاً بانتظار حسم بعض الملاحظات المتعلقة بتوقيت المعركة البرية ضد الحوثيين ومحاور الارتكاز الأساسية للمعركة. ومع ذلك، فقد تم استنفار مختلف القوى الموجودة على الأرض، وتزويدها بتعليمات أولية للتحضير للعملية التي، متى بدأت، ستُنفّذ على مراحل متعددة، وبدعم أميركي مكثف، جوي وبحري، من خلال الطائرات الحربية والبوارج، مستهدفة بنى الحوثيين التحتية العسكرية، لا سيما منشآت التصنيع الصاروخي والطائرات المسيّرة، والمخازن الاستراتيجية، وخطوط الإمداد، والتحركات العسكرية.


وتشير المصادر إلى أن التباينات في وجهات النظر بين اليمنيين والأميركيين تتركز على أولويات محاور ومراحل تنفيذ الخطة، لكن تبقى المعركة البرية ضد الحوثيين مطلباً يمنياً في الأساس، نظراً لأن الضربات الجوية والبحرية الأميركية، على الرغم من تأثيرها، لا تكفي للقضاء على قدرات الجماعة، بسبب الطبيعة الجغرافية والتضاريس الجبلية المعقدة في مناطق سيطرتها، واستخدامها للمدنيين دروعا بشرية لحماية قياداتها ومعداتها ومخازنها ومصانعها العسكرية. ورغم استمرار الضربات الجوية، لا يزال الحوثيون يشكلون تهديداً شاملاً للأراضي اليمنية والممرات الملاحية الدولية، بما يشمل منع تصدير النفط اليمني، وتهديد الموانئ، وغيرها من التحركات التي أثّرت على المشهد اليمني والإقليمي وعلى أمن الملاحة الدولية، وفاقمت تعقيدات الأزمة اليمنية إنسانياً واقتصادياً.


ولا تفصح المصادر الحكومية عن المحاور الرئيسية للعملية البرية المرتقبة، سواء انطلقت من الشرق (مأرب والجوف) أو من الغرب (بعض مناطق تعز والحديدة حتى حجة) أو من وسط البلاد (إب وتعز). وتشير بعض المعلومات إلى أن التأجيل الحالي للعملية مرتبط بمحاولة إضعاف قدرات الحوثيين الصاروخية والهجومية بشكل أكبر. ويسيطر الحوثيون على إب وذمار وصنعاء وعمران وريمه والمحويت وأجزاء من البيضاء وتعز ومأرب والجوف والحديدة وحجة وصعدة.


وبحسب معطيات حصلت عليها "العربي الجديد"، ترى القوى السياسية في الحكومة الشرعية أن المعركة البرية ضد الحوثيين ينبغي أن تكون مفتوحة على مختلف الجبهات، بالتزامن مع الغارات الأميركية الدقيقة، وبدعم لوجستي وتقني يُفترض أن يُقدّم للعمليات البرية، بهدف إنهاء انقلاب الحوثيين وفرض السلام عبر حسم عسكري واسع. وترجمت هذه الرؤية في دعوة وزير الدفاع اليمني، اللواء محسن الداعري، كافة القوات في مختلف الجبهات إلى رفع الجاهزية القصوى، ما فُسّر بأنه استعداد للانخراط في المعركة البرية ضد الحوثيين لا سيما أن هذه الدعوة جاءت بعد تصريحات لرئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك، شدد فيها على ضرورة إنهاء انقلاب الحوثيين وتحرير ما تبقّى من البلاد من قبضتهم عبر عملية عسكرية.


في المقابل، نفت الإمارات والسعودية أمس الأربعاء تقارير عن مشاركتهما في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن هجوم بري محتمل ضد الحوثيين. ووصفت لانا نسيبة، مساعدة وزير خارجية الإمارات للشؤون السياسية، في تصريح لوكالة رويترز تلك التقارير بأنها مزاعم "غريبة لا أساس لها". كما نفى مصدر رسمي سعودي وفق "رويترز" هذه التقارير، قائلا إنها زائفة.


وفي إطار التحشيد، زار وفد من وزارة الدفاع اليمنية، برئاسة رئيس هيئة العمليات اللواء الركن خالد الأشول، يوم الثلاثاء الماضي، جبهات القتال في الساحل الغربي، للاطلاع على مستوى الجاهزية. وأكد الأشول أن "المرحلة تتطلب تعزيز الاصطفاف الوطني ووحدة الجبهات أكثر من أي وقت مضى، واقتناص الفرصة السانحة لتحقيق تطلعات الشعب اليمني في استعادة الدولة، وعاصمتها التاريخية صنعاء، ودفن خرافة الولاية، وبتر الذراع الإيرانية". ويمتد الساحل الغربي من منطقة ذباب المطلة على مضيق باب المندب، ويضمّ منطقة المخا في تعز وأيضاً محافظة الحديدة وميناء ميدي في محافظة حجة أقصى الغرب.


ويقول رئيس تحرير موقع "صوت العاصمة" الصحافي عادل حمران، لـ"العربي الجديد"، إن "أمام معسكر الشرعية فرصة ذهبية لدك أوكار الحوثيين من كل الجبهات، وتحرير ميناء الحديدة ثم استعادة العاصمة صنعاء التي تم احتلالها بالقوة من جانب المليشيات". ويضيف: "نحن لا نتمنى أن نشاهد قوات معسكر الشرعية بكل مكوناته وقياداته في خندق واحد مع أميركا وإسرائيل، لكن الحوثي هو من رهن نفسه ليصبح أداة بيد إيران وفتح على نفسه أبواب الشر كلها، وخاض غمار معارك مع القوى العظمى على رأسها أميركا، وهذا ليس دفاعاً عن غزة وإنما استجابة لتوجيهات إيران". ويعتبر أن "الشرعية تحتاج اليوم إلى ترتيب صفوفها إن كانت تحلم بتحرير صنعاء، فأعتقد أن أمامها فرصة ثمينة، وإن خسرتها قد يصبح الوصول إلى صنعاء صعب المنال وخصوصاً إذا تم عقد اتفاقية سلام بين الحوثي وأميركا مباشرة أو بين أميركا وإيران ومن خلفها الحوثي، لكن الملاحظ أن معظم قادة الشرعية باتوا مستفيدين بشكل كبير من بقاء الأوضاع كما هي، ولا يريدون تحرير صنعاء ولا غيرها، فقط يمارسون دور المتفرج ولا هم لهم سوى حوافزهم الشهرية".


في المقابل، تشير مصادر مقربة من الحوثيين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الجماعة تقوم بتعزيز مواقعها في الجبهات، وتكثيف التحصينات الهندسية وزرع الألغام، فضلاً عن إرسال مزيد من المقاتلين إلى الخطوط الأمامية، في ظل شعور متزايد بأن المعركة البرية ضد الحوثيين باتت وشيكة. ومع ذلك، فإن الجماعة تتحرك بحذر شديد، خصوصاً بعد تعرّض العديد من قياداتها للاستهداف جراء الغارات الأميركية الأخيرة في مناطق متفرقة ضمن نطاق سيطرتها.


ويذكر أن صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت أن مسؤولين يمنيين وأميركيين أفادوا بأن الإمارات طرحت خطة التحرك مع المسؤولين الأميركيين خلال الأسابيع الأخيرة. وبحسب الصحيفة، قال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة منفتحة على دعم عملية برية تنفذها قوات محلية، لكن لم يُتخذ بعد قرار نهائي بشأن تقديم هذا الدعم. وأكدوا أن الولايات المتحدة لا تقود المحادثات الخاصة بالعملية البرية، بل إن النقاشات تركز على تمكين الفصائل المحلية المتحالفة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من تولي مسؤولية الأمن في البلاد. وبموجب الخطة قيد النقاش، ستنشر الفصائل المحلية المتمركزة في جنوب البلاد قواتها على الساحل الغربي اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون، في محاولة للسيطرة على ميناء الحديدة، حسبما أفاد المسؤولون اليمنيون. وإذا نجحت، فإن المعركة البرية ضد الحوثيين ستدفع الحوثيين إلى التراجع عن أجزاء كبيرة من الساحل الذي يشنون منه هجماتهم على السفن التجارية، وهي هجمات وصفتها واشنطن بأنها من جماعة إرهابية.