علي ناصر محمد، الرئيس الذي ترك السلطة ولم تتركه السلطة!
تحتفي الأمم وتعتز دائمًا بقادتها وسياسييها وعلمائها، وتقيم لهم التكريم الذي يليق أولاً بتلك الأمم، و...
تحتفي الأمم وتعتز دائمًا بقادتها وسياسييها وعلمائها، وتقيم لهم التكريم الذي يليق أولاً بتلك الأمم، وثانيًا بأولئك الرجال، منطلقين في ذلك من الإيمان بأن هؤلاء الرجال هم في الأساس بشر، أفعالهم قابلة للصواب والخطأ!
ولو أننا كيمنيين ننظر إلى حكامنا على أنهم موظفون، وليسوا أنبياء ولا ملائكة ولا مُلاك حصريين للأوطان، ولا سادة،والشعب لهم عبيد ، لتعاطينا معهم كما تتعاطى الأمم مع قادتها. إن أصابوا أو أخطأوا، حُفظت لهم أعمالهم في متاحف التاريخ، وواصلت شعوبهم مسيرتها التنموية من حيث انتهوا، مستندة على الإيجابي في مسيرتهم، ومتعهدة لتجاوز وتصحيح السلبي في تلك المسيرة!
في تاريخنا اليمني، وأخص هنا التاريخ الجنوبي، ما زالت مسيرة الهدم ومسيرة بث بذور الكراهية والفرقة مستمرة، وما زالت الأخطاء ترفض الانصياع للتصحيح، ويبالغ عرابيها الجدد في إنتاج امتدادات لتلك الأخطاء!
يلفت نظري دائمًا في الحالة الجنوبية العليلة، مهاجمة الرئيس علي ناصر بشكل منتظم وممنهج، كلما شعر البعض أن هناك متغيرات قادمة أو تحركات مُعلنة أو غير مُعلنة. ونحن هنا لا نتحدث عن الرئيس ناصر كشخص ولكننا نتحدث عنه كمشروع وطني عنوانه الثبات على الهدف والتمسك بالمبدأ. فالرجل هو من الساسة القلائل جداً على مستوى اليمن بشكل عام، الذي طرح مشروع الحل للأزمة في اليمن في العام 2010م، وما زال حتى اللحظة يتمسك بذلك المشروع ويضيف إليه دائماً الجديد الذي يواكب التطورات، والذي لا يمس بأساسيات ذلك المشروع وأهدافه التي قام عليها. بينما تأرجح الكثير ممن يظنون أنهم حملة مشاريع بين مشاريع وقناعات لا حصر لها، بل وتمادى أولئك بالتطفل على مشروع الرئيس ناصر ذاته، وتقديمه في الغرف المغلقة بأسماء جماعاتهم دون أدنى حوار أو تواصل مع الرجل، في حالة تُعد من أسوأ تداعيات المرض الجنوبي!
ولأننا دعاة مشروع وطن يتساوى فيه الجميع، وتُحفظ له سيادته واستقلاليةقراره الوطني، ودولة تحتكم لرئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد، ونحترم الرئيس ناصر وكل مشروع وطني لا يزج بالوطن في زوايا مشاريع فئوية أو قروية أو مناطقية أو حزبية، فإننا نطمئن الذين لم يعد يشغلهم سوى التهافت على المناصب والوظائف، والذين تحولت الحالة عندهم في هذا الاتجاه إلى مرض مزمن، فرهَنوا لأجلها العِرض والوطن لتلبية رغباتهم المرضية تلك!
نطمئن هؤلاء بأن الرئيس علي ناصر لا يقبل بعد هذا التاريخ الطويل أن يضع نفسه في موضع المنافسة مع هؤلاء، وأنه من الصعب على مثله السقوط في المستنقع الآسن لهذا الصراع، وذلك لأسباب عدة نختصرها في:
أن الرجل يتبنى مشروعًا وطنيًا، بمعنى أنه من الصعب أن تحتوي أمثاله المشاريع المناطقية والقروية والمذهبية وحتى الحزبية، فهو أكبر منها بكثير حجمًا ومقامًا.
أن الرجل صال وجال في عالم السياسة، وأصبح يمثل مرجعية ليست جنوبية ويمنية فقط، بل مرجعية عربية ودولية، الأمر الذي لا يمكنه معه العودة إلى زوايا المشاريع المعتلة.
أن الرجل تقلد تقريبًا أغلب مناصب الدولة من أدناها إلى أعلاها، وبالتالي فالسلطة بالنسبة لأمثاله لم تعد هدفًا ولا تشريفًا بقدر ما هي وسيلة وتكليف، فهو يعرف معنى السلطة ومسؤولياتها.
أن الرجل دفع ثمن اعتدال سياساته، سواء على المستوى المحلي حين انحاز للشعب وعمل على توفير الحياة الكريمة لأبنائه، وعلى المستوى الإقليمي حين سعى وبادر إلى تحسين العلاقات مع الأشقاء والجيران، وخفض حدة التوتر والسعي لاستعادة العلاقات الأخوية معهم. يتحدث شبه يوميًا عن قناعاته التي تنطلق من إيمانه بصعوبة حكم اليمن موحدًا أو مجزءًا على يد جماعة، أيًا كانت تلك الجماعة وأيًّا كان امتدادها والداعم لها، وأن أزمة اليمن لن تحل إلا بالحوار والاقتناع بالقبول بالآخر، وتقديم المشروع الوطني اليمني على بقية المشاريع!
ختامًا، إن الرجل الذي تم الانقلاب عليه لأنفتاحه على الأشقاء من الدول العربية المجاورة، وسعيه لتحسين العلاقات معها، ولرفع مستوى معيشة الشعب بعيدًا عن النظريات المستوردة والغريبة عن المجتمع وتقاليده، وعن الشعارات الخاوية التي لا تشبع جائعًا، ولا ترتقي بوعي جاهل، والذي قبل أن يترك وطنه حين وضع جهلاء السياسة وضعفاء الانتماء وأسرى المناطقية خروجه شرطًا لإتمام الوحدة اليمنية، والذي تابعته العقلية المريضة لمن لا يعرف معنى السلطة ومعنى الدولة إلى إثيوبيا، مطالبة بطرده من الحبشة، لولا موقف صديقه منجستو هيلا ماريام وطرده لرسول السقوط الأخلاقي. الرجل الذي يصفه كل من يلتقيه ويعرفه من الساسة الدوليين والعرب بالرئيس الذي ترك السلطة ولم تتركه السلطة، والذي يحمل مشروع وطن كبير بحجم اليمن، لا يستطيع إلا أن يكون كبيرًا بحجم ذلك المشروع وبحجم اليمن الذي يؤمن به!
عبد الكريم سالم السعدي
4 سبتمبر 2025م