عيد العلم
صادف يوم أمس 10 سبتمبر 1975، عن إعلان تأسيس جامعة عدن كأول جامعة وطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية...
صادف يوم أمس 10 سبتمبر 1975، عن إعلان تأسيس جامعة عدن كأول جامعة وطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا اليوم عيدًا للعلم. ففي تلك المناسبة جرى تكريم أوائل طلاب الثانوية العامة، وأُعلن عن تغيير المناهج وتطويرها من رياض الأطفال حتى الجامعة. وبدلًا من المرحلتين الابتدائية والمتوسطة سُمّيت المرحلة الموحدة، وأصبح التعليم العام مرحلتين: المدرسة الموحدة والثانوية العامة.
كانت المناهج التعليمية آنذاك مزيجًا من كتب سودانية ومصرية وسورية وعدنية، فيما أسهم الأشقاء العرب، وفي طليعتهم مصر والسودان، ببعثات تعليمية ساعدت على سد النقص في الكوادر حتى تحقق الاكتفاء من المعلمين من المرحلة الموحدة وحتى الثانوية. لقد كانت تلك البداية الحقيقية لنهضة تعليمية شاملة شهدتها عدن وسائر المحافظات، حيث جرى الاهتمام بالإنسان إلى جانب العمران، وانتشر التعليم بمختلف مراحله، ونُظمت حملة وطنية لمحو الأمية تُوّجت بإعلان منظمة اليونسكو أن اليمن حقق المرتبة الأولى عربيًا في مكافحة الأمية بعد أن انخفضت نسبتها إلى ٢,٥٪ فقط.
لم يكن هذا اليوم مجرد احتفال بروتوكولي، بل إعلانًا صريحًا أن العلم هو الركيزة الأساسية لبناء الدولة والمجتمع، وأن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الأقصر نحو التنمية والاستقرار. كانت الساحات تمتلئ بالطلاب والمعلمين والأسر، وكان تكريم المتفوقين بمثابة عيد جماعي يزرع الأمل ويؤكد أن المستقبل يُصنع بالقلم لا بالسلاح، وبالمعرفة لا بالجهل. بل إنه في إحدى السنوات كان الأوّل على مستوى الجمهورية أحد الطلاب السجناء الذين تلقوا تعليمهم وتأهيلهم داخل السجن، في رؤية تؤكد أن التعليم وحده القادر على الإصلاح والتأهيل.
لقد ارتبط هذا اليوم بولادة صرح وطني شامخ هو جامعة عدن، التي فتحت أبوابها للشباب والشابات من مختلف المحافظات والتخصصات متحدية شُح الموارد وضيق الإمكانيات. لم يكن من السهل أن تُبنى جامعة في ظل ظروف اقتصادية صعبة، لكن القيادة الوطنية والارادة الوطنية حينها أدركت أن بناء الجامعة في عدن والجامعات في المحافظات ضرورة لا تحتمل التأجيل، لأنها حجر الأساس لمشروع النهضة، ومصنع العقول والكوادر الوطنية التي أسهمت في تطوير المجتمع في مجالات الطب والهندسة والاقتصاد والتعليم والزراعة.
لكن هذا اليوم الذي كان رمزًا للنهضة يمرّ اليوم مثقلًا بظلال الحرب التي استنزفت البلاد لأكثر من عقد. فقد تعرّضت المدارس والجامعات للتدمير والإغلاق، وحُرم الطلاب من حقهم في التعليم بعدما وجد كثير منهم أنفسهم بين النزوح والحرمان والتجنيد القسري بدلًا من الجلوس على مقاعد الدراسة. أما المعلمون فقد عاشوا ظروفًا مأساوية مع توقف الرواتب أو انهيار قيمتها، وتراجعت مكانتهم بعدما كانوا يُكرَّمون في هذا اليوم باعتبارهم بناة الأجيال. وارتفعت نسب الأمية والتسرّب إلى مستويات خطيرة، خاصة بين الأطفال والفتيات، حتى عاد شبح الجهل يهدد مستقبل وطن بأكمله، وكأن الحرب أرادت أن تجعل من التعليم ضحيتها الأولى.
إن عيد العلم اليوم لم يعد مجرد مناسبة تاريخية، بل صار صرخة ونداءً لوقف الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، ولإعادة الاعتبار للتعليم باعتباره خط الدفاع الأول عن هوية الوطن ومستقبله. فالمستقبل لن يُبنى بالبندقية، وإنما بالمدرسة التي تحتضن طفلًا، وبالجامعة التي تخرّج طبيبًا ومهندسًا، وبالمعلم الذي يزرع الأمل في عيون الأجيال. وإذا كان جيل السبعينيات الثمانينيات قد استطاع أن يؤسس جامعة عدن والجامعات في بقية المحافظات ويطلق مشروع محو الأمية رغم شُح الإمكانيات، فإن من واجبنا اليوم أن نعيد الاعتبار للعلم ونمنحه مكانته المستحقة رغم كل الجراح.
تحية في عيد العلم لكل طالب يتحدى الظروف ليواصل دراسته، وتحية لكل معلم يؤدي رسالته بصبر وإخلاص، وتحية للوطن الذي ما زال يؤمن أن القلم أقوى من البندقية، وأن العلم أسمى من الحرب، وأن الغد لا يمكن أن يولد إلا من رحم المعرفة.
وقف للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا